الخميس، 26 ديسمبر 2013

مصر في العهد العثماني: العلوم اللغوية (3)

بسم الله الرحمن الرحيم


عبد الرؤوف المناوي (1545-1621):
وهو أحد العلماء الموسوعيون، الذين شاركوا في التأليف في الكثير من العلوم والمعارف والفنون، من تراجم وتصوف وحديث، وطب، وحيوان، ونبات، وتاريخ، حيث يقول عنه المحبي في خلاصة الأثر: "الإمام الكبير الحجة الثبت القدوة صاحب التصانيف السائرة، وأجل أهل عصره من غير ارتياب … وكان يقتصر يومه وليلته على وجبة واحدة من الطعام، وقد جمع من العلوم والمعارف على اختلاف أنواعها وتباين أقسامها، مالم يجتمع في أحد ممن عاصره ...". وقد وضع المناوي الكثير جدا من المصنفات الذي حُقق عدد منها، منها مصنفين على القاموس المحيط للفيروز آبادي، أحدهما شرح لم يكتمل حيث وصل فيه إلى حرف الحاء المهملة، والآخر حاشية شملته من أوله لآخره.

"علي الحلبي" (1567-1635):
وهو "علي بن إبراهيم بن أحمد بن علي بن عمر الحلبي، القاهري، الشافعي"، مؤرخ، أديب، فقيه، أصولي، نحوي، لغوي أصله من حلب، مولده ووفاته بمصر. له تصانيف كثيرة أشهرها كتابه في السيرة "إنسان العيون بسيرة الأمين المأمون" المعروفة بالسيرة الحلبية، كما أن له مؤلفات لغوية منها مختصر لمعجم "المزهر" للسيوطي تحت عنوان: "زهر المزهر في مختصر المزهر"، و"مطالع البدور" في قواعد العربية.

"محمد مرتضى الزَّبيدي" (1732ـ1791):
وهو العلّامة اللغوي والكاتب والشاعر والمؤرخ "محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق"، ينتهي نسبه إلى أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. أحد كبار علماء المسلمين في العصر العثماني، الذين ألفوا في علوم شتى منها التفسير، والحديث، والفقه، والتصوف، التاريخ القبلي، والأنساب، التراجم ومن الذين أدلوا بدلوهم في علم اللغة، حيث كَثُر تلاميذه بسبب أسلوبه المتميز في التحليل، وطريقته المميزة في التعليم والتي أثارت الإعجاب، حتى لقد كانت النساء تحضرن دروسه العلمية التي كان يلقيها في منزل أحد الأعيان كل مساء. وترجع شهرة هذا العالِم بصورة أساسية أهمية كتابه الموسوعي "تاج العروس من جواهر القاموس"، وهو شرح لقاموس "الفيروز آبادي" يقع في عشرة أجزاء؛ حيث يعد هذا المعجم من أوسع المعاجم العربية، ولا يضارعه في حجمه أو يفوقه إلا «لسان العرب» لابن منظور، وقد أمضى في تأليفه "أربعة عشر" عاماً كان يواصل فيها عمله من دون انقطاع، فبدأ الاشتغال به عام 1760، وانتهى منه في 1774. وإلى الآن ما زال الباحثين والعلماء يُقدرون هذا العمل القيم الضخم، والذي بلغ حجمه 5 أمثال العمل الأصلي للفيروز آبادي، وبإضافات ضخمة وكبيرة جدا، دفع المؤرخ الأمريكي الشهير "پيتر گران" القول بأن هذا العمل الموسوعي يمثل دائرة معارف لا تضارعها "دائرة المعارف الفرنسية" التي أنتجتها شخصيات عظيمة، ومما جعله كذلك يُقارن بقاموس أكسفورد الإنگليزي في وظيفته.

بدأ الزبيدي في تأليف هذه الموسوعة بعد مرور تسع سنوات على مجيئه لمصر، وبعد أن بلغ التاسعة والعشرون من عمره. ترك لنا الزَّبيدي الكثير من المؤلفات ما بين كتاب ورسالة، نذكر منها على سبيل المثال: "مناقب أصحاب الحديث"، "شرح الصدر في أسماء أهل بدر"، "حسن المحاضرة في آداب البحث والمناظرة"، "الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة"، "اتحاف السادة المتقين بشرح أحاديث إحياء علوم الدين"، "إرشاد الإخوان إلى الأخلاق الحسان"، هذا بالإضافة إلى تضمن أعماله على حصر لجميع الطرق الصوفية في عصره، وتراجم للرحالة المسلمين في القرن الثاني عشر الهجري.
ويذكر لنا الزبيدي سبب تأليفه لهذا المعجم الضخم، ويذهب إلى ما ذهب إليه ابن خلدون في أن الاهتمام بالعلوم اللغوية راجع إلى أنها علوم مساعدة للعلوم الشرعية، حتى يمكن فهم معاني هذه العلوم، حيث نراه يقول: "فإنني لم أقصد سوى حفظ هذه اللغة الشريفة إذ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية، ولأن العالم بغوامضها يعلم ما يوافق فيه نية اللسان، ويخالف فيه اللسان النية".

وقد تطلب شرح القاموس من الزبيدي مجهودا ضخمًا جدًا، فقد كان لابد له قبل الشروع في تأليفه، قراءة معاجم اللغة السابقة كلها، كالصحاح للجوهري، واللسان للفيروز آبادي، والجمرة لابن دريد، والمخصص والمحكم لابن سيده، والتهذيب للأزهري، والأساس والفائق للزمخشري، وإصلاح المنطق لابن السكيت، والخصائص لابن جنى، وغيرها الكثير، والتي قرأها الزبيدي كلها.
وإلى جانب المعاجم فقد قرا الزبيدي كتب التاريخ، والحديث، والإسناد، والأنساب، والرجال، والتراجم، وتقويم البلدان "الجغرافية والرحلات"، والطب، والنبات، والحيوان، ودواوين الشعر، والتي نذكر منها: معجم البلدان لأبي عبيد البكري، تاريخ دمشق لابن عساكر، طبقات المفسرين للداودي، طبقات الشافعية للسبكي، تاريخ الإسلام للذهبي، خطط المقريزي، التذكرة في الطب للأنطاكي، كتاب النبات للدينوري.

وكانت تجاربه ورحلاته والمعرفة التي حصلها من بلاد الهند والعرب ومصر، يدونها في كتابه تحت عنوان "المستدرك"، وهي تتضمن معلومات جديدة انفرد بها الزبيدي، ولا توجد في معجم أو مرجع لغوي آخر.
وقد امتازت شروح الزبيدي على القاموس بروح تاريخية يعرف معها الباحث والدارس وجوها لمعاني الكلمات التي تتعلق بحياتها واصطناعها، وهو ما ينقص معاجمنا العربية حتى اليوم، فليس هناك في العربية معجم يذكر حياة الكلمات وموتها، ولكن الزبيدي يتتبع حياة الكلمات وموتها.

بلغت أعمال الزبيدي مئة وسبعة بين كتاب ورسالة، أكثر من نصفها يتصل بالحديث النبوي وسنده ورواته وتخريج بعض متونه، ومنها ما كتبه في الفقه والصوم والحج، وفي التاريخ واللغة والتصريف، وفي شرح بعض الخطب. فمنها
1- الروض المعطار في نسب آل جعفر الطيار.
2- "نشوة الإرتياح في بيان حقيقة الميسر والقداح"
3- "شجرة الدخان"
4- "قهوة اليمن"
5- "كشف اللثام عن آداب الإيمان والإسلام"
6- ألفية السند، وهو كتاب في علم الحديث النبوي يحوي ألف وخمس مائة بيت شعر وشرحها
7- تحفة القماعيل في مدح شيخ العرب إسماعيل
8- جذوة الاقتباس في نسب بني العباس
9- أسانيد الكتب الستة
وكان من أبرز تلامذته المؤرخ العلامة "عبد الرحمن الجبرتي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق