الخميس، 26 ديسمبر 2013

مصر في العهد العثماني: العلوم اللغوية (2)

بسم الله الرحمن الرحيم
المعاجم (القواميس):
اللغة العربية هي أرقى اللغات السامية، فلا تعادلها لغة سامية أخرى، سواء كانت الآرامية أوالأمهرية أو العبرية أو غيرها في الفرع السامي. وتعد اللغة العربية كذلك من أرقى لغات العالم وأكثرها مرونة وسعة واشتقاقًا، وهو الذي أهّل اللغة العربية لتكون لغة القرآن الكريم والحديث الشريف، وما فيما من معاني تدل على منتهى السمو والرفعة.
وبعد اختلاط العرب المسلمين بغيرهم من الأعاجم، نتج عن ذلك انتشار اللحن في اللغة وفساد ملكة العربية، فظهرت المعاجم اللغوية بعد وضع علم النحو، وذلك لحفظ كلمات اللغة من الكلمات الدخيلة عليها.
ولعل من أشهر معاجم اللغة التي ظهرت في تاريخ الإسلام، معجم "لسان العرب" لابن منظور، "القاموس المحيط" للفيروز ابادي، و"المزهر" للسيوطي. وقد شهد القرن الثامن عشر -خاصة- ازدهارًا في تاليف المعاجم، حتى أنه كانت هناك ست نسخ بين كل ثمان نسخ من المعاجم بمكتبة الأزهر تعود للقرن الثامن عشر.


* "يوسف بن زكريا المغربى" (...-1611):

وهو الأديب الشاعر يوسف بن زكريا المغربي، أسهب الشهاب الخفاجي في مدحه، حيث قال في ترجمته: "عزيز مصر بنانا وبيانا، ويوسف عصره حسنا وإحسانا، نشأ في مصر يتعاطى صنعة الأدب، ويربط بأوتاد شعره كل سبب". له عدة مؤلفات  بالإضافة لديوان شعر أسماه "الذهب اليوسفي"، حيث مثل معجمه ""دفع الإصر عن كلام أهل مصر" (محقق ومطبوع)، الجانب الذي نتحدث عنه عند الحديث عن إضافته في مجال المعاجم. وترجع أهمية هذا العمل إلى أنه يُعتبر أول معجم من المعاجم المعروفة حتى الآن، و التى تتضمن مفردات اللهجة المصرية الحيه ومراحل تطورها.

ولقد كان الغرض الرئيسي لوضع ذلك المعجم كما أشار صاحبه، دفع النقد عن العامية المصرية، ولتقديم البراهين اللازمة على أن لغة أهل مصر لغة عربية الأصل صحيحة. وقرر"أن يرتب هذا الكتاب على أبهج ترتيبه، وتهذب ما يقع من عوام أهل مصر بأن يرجعه للصواب". كما ذكر أيضا من بين الأسباب المباشرة التي دفعته لوضع الكتاب، أنه رأى " أن بعض المتشدقين قد سمع من بعض الأصحاب ألفاظًا فصار يهزأ به، ويسخر منه مع أنها تحتمل الصواب". وأسس عمله هذا على "القاموس" للفيروز آبادى، و"درة الخواص" للحريرى، و"مختصر الصحاح"، و"أساس البلاغة" للزمخشري.
ويكتب المغربى في بداية مؤلفه: "ومثل هذا الكتاب لا تنتهى مقاصده ولا تغيض موارده"، ويعلق اللغوي والمستعرب الروسي الكبير "گريگوري شرباتوڤ" على هذا الوصف بقوله: "فلا نرى في ذلك الوصف أية مبالغة لأن الكتاب في الواقع يحتوى على كثير من المعلومات عن الحياة التاريخية والثقافية لذلك العهد، وعن بعض الشخصيات المعاصرة له، مثل علماء الازهر،والكتاب، والشعراء، وحكام ذلك العهد، وعن الأوساط والمناقشات الأدبية، وعن نظام الحياة وأنواع الملابس، وأصناف الأكل وآلات الطرب ألخ". ويقول شرباتوف كذلك بأن الباحثين في تاريخ وأثنوغرافيا مصر سيعثرون فيه على ضالتهم، وخصوصا في تلك الفصول التي تتحدث عن عادات أهل القاهرة وأخلاقهم، وغيرهم من أهالي المدن المصرية الأخرى، وعن تجميل وتنظيف القاهرة، ونظام الإنارة بالقناديل، وانتشار شرب القهوة، وبداية انتشار شرب التبغ في مصر.

"شهاب الدين الخفاجي" (1569-1659):
هو "شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري" قاضي القضاة، أديب القرن السابع عشر، صاحب التصانيف في الأدب واللغة، والتي ياتي على رأسها معجمه "شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل" (محقق ومطبوع). تأتي أهمية هذا المعجم في أنه عمد إلى تنقية الألفاظ العربية الأصلية عن غيرها من الألفاظ الدخيلة المولّدة، وهذا بلا ريب أمرا فريدًا في نوعه، لم يتطرق إليه أحد من قبله، حيث نراه يقول في هذا: "فأحببت أن أهدي تحفة للإخوان، بل عروسا منقبة بنقاب الحسن والإحسان، وأضفت إليه فوائد، ونظمت في لبانه فرائد، وضممت إليه قسم المولد … وقد أوردت فيه ما يسر الناظر ويشرح الخاطر، مع شيء من النقد والرد، ولطائف أدبية تذكر عهود تهامة ونجد".

ولقد رتب الخفاجي كتابه على حروف المعجم، مع إبراز الكلمات المولدة عن غيرها من الكلمات الأصلية، وتحقيقًا لهذه الفائدة، نجده يجاهد في توضيح هذا الأمر، بحيث أن الكلمات التي يُتوهم بأنها مولدة وهي غير ذلك، يذكر بعد الانتهاء من شرحها بأنها غير مولّدة.
وقد أحتوى هذا المعجم على ما يَقرُب من 1413 من الكلمات، وعلى الرغم من أن معظمها يخدم الغرض الذي وضع له، وهو إظهار الكلمات المولدة من غيرها، إلا أنه وجد بعض العبارات والأمثال الشعبية التي ما زال المجتمع المصري يستخدمها إلى الآن، والتي منها : "حماتي تحبني" - وهو من الأمثال العامة يقوله من صادف نعمة لم تكن على خاطره. "سكران طينة" تقوله العامة لمن سكر سكرًا شديدا كأنه وقع في الطين.
وقبل الانتقال للحديث عن أعمال أخرى، يجب الوقوف عند هذين العملين (دفع الإصر، شفاء الغليل) والقول بأنهما اشتركا في أمرين: الابتكار، والمضمون. ويعد الاشتراك في المضمون أمرا هاما في تصحيح المفاهيم العامة، سواء بتصحيح الكلمات والألفاظ التي يُتوهم بأنها غير عربية أو العكس. أما الحديث عن الابتكار فهي وقوف هؤلاء العلماء على مواطن الداء في مجتمعهم، وإنتاج أعمال تقدم علاجًا لهذا الداء.

شرح كتاب "درة الغواص في أوهام الخواص":
وهو كتاب "للقاسم بن علي الحريري"، حيث يجد الناظر لشرح الخفاجي عليه، مدى ما كان يعد الرجل لهذا الأمر منذ زمن بعيد؛ لعظم الإضافات التي أضافها الخفاجي للكتاب، وازدان بها نتيجة لهذا الشرح، وأمور لم يتعرض لها صاحب الكتاب نفسه. وقد اعتمد الخفاجي في شرح الكتاب على دعامتين أساسيتين: الأولى رجوعه لكتب الأوائل التي عدها العلماء أمهات الكتب، والثانية وهي الأهم قيامه بتفنيد آراء الحريري، وتحليل ما أتى به من شواهد، فعمل على تصحيح ما فهمه الحرير وتحامله على معاصريه من العلماء، وقد كشف الخفاجي عن الغرض في القيام بهذا العمل في قوله: "فلما رأيت طعنه على السالف، دعاني الانتصار للسلف إلى تمييز الدرر من الصدف"، وهذا بطبيعة الحال أمر يحتاج إلى وافر جهد وطويل صبر، وتصميم على تحقيق الهدف المرجو.

"عبد الله الطبلاوي" (١٥٦٧-١٦١٨):
هو الشيخ العالِم "عبد الله بن محمد بن عبد الله الحسيني" المعروف بالطبلاوي، مقرئ، نحوي، لغوي، عروضي، بياني، وصفه المحبي بقوله: "وأنفرد بعلم اللغة في زمنه على جميع أقرانه". من جهوده في مجال اللغة، قيامه بكتابة عدة نسخ من "القاموس" للفيروز آبادي، كما قام باختصار معجم "لسان العرب" لابن منظور، في كتاب سماه "رشف الضرب عن لسان العرب"، ولكنه لم يكتمل. ترك لنا مؤلفات أخرى مثل: "شرح على تأسيس المروض في علم العروض"، "حاشية على حاشيه البدر الدماميني على مغني اللبيب لابن هشام".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق