الخميس، 26 ديسمبر 2013

مصر في العهد العثماني: العلوم اللغوية (1)

بسم الله الرحمن الرحيم
العلوم العربية والأدبية:
وقد لقيت هذه العلوم اهتمامًا بالغًا من قبل القائمين على الحركة العلمية والتعليمية، حيث جاءت في المرتبة الثانية مباشرة بعد الاهتمام بالعلوم الدينية، حيث أتحدث عن البلاغة والمعاجم في هذا الجزء فقط.

البلاغة:
يمكن تعريف علم البلاغة بـ "تأدية المعنى الجليل واضحًا بعبارة صحيحة، تأسر النفوس والوجدان، مع ملاءمتها للموطن الذي يقال فيه، وحال الأشخاص الذين يُخاطبون". ولقد مر هذا العلم منذ تكوينه بعده أطوار مثله في ذلك مثل باقي العلوم اللسانية الأخرى، وبعيدا عن الخوض في هذه الأطوار، نجد أن أكثرها تأثيرا على المهتمين بعلم البلاغة، وخاصة في العصر العثماني طور التلخيص للكتب التي وصل العلم فيها إلى اكتماله، وكان أول من دفعها في هذا الاتجاه الإمام الفخر الرازي، الذي لخص كتاب الجرجاني "دلائل الإعجاز"، و"أسرار البلاغة"، مفيدا من "كشاف" الزمخشري وغيرها.

خلف الفخر الرازي، الإمام السكاكي، في القسم الثالث من كتابه "مفتاح العلوم"، حيث قام بوضع علمي المعاني والبيان في صيغتهما النهائية التي استقرت بعد ذلك على مدار العصور، ولقد أعتُبر هذا الكتاب النهاية التي وصل إليها علم البلاغة، لذا كل من أتى بعد السكاكي، لم يقم بالمشاركة في هذا العلم إلا بشرح الكتاب أو تلخيصه وتعليق الحواشي عليه.
وبنظرة فاحصة للتراث العثماني، نجد أن علماء تلك الفترة قد اختصوا علم البلاغة بمزيد من الاهتمام، فمن ناحية أقبل العلماء على دراسته والتزود منه بداية بحفظ أهم المتون، ثم تعلمه على يد المتخصصين. ومن ناحية أخرى عملوا على إفراد جزءا من مكتباتهم لأمهات كتب البلاغة، حيث كانوا حريصين على اقتناء كتب هذا العلم، وجعلها من أهم الكتب التي تحتويها مكتباتهم، مثل ما نراه في مكتبة الشيخ "محمد سعد الدين المرحومي" (1592 - 1662)، حيث أحتوت على أكثر من 10 كتب أو نسخ تتحدث عن هذا العلم كأساس البلاغة، ومتن المفتاح، وشروحه، وحاشية عليه، وغيره.

ويلاحظ أن أكثر من الطوائف الاجتماعية التي اختمت بإقتناء كتب البلاغة وقراءتها، أفرد سادات بني الوفا الصوفية، ويظهر هذا جليا من مكتبة الشيخ "عبد الوهاب أبو النخصيص بني وفا" (ت1678) التي أحتوت على أكثر من 6 كتب في البلاغة، وكذلك مكتبة الشيخ "زين الدين عبد الرزاق أبو العطا بني الوفا" (ت1685)، التي ضمت أكثر من 7 كتب حول هذا العلم.

أما عن قدر مشاركة علماء تلك الفترة في التصنيف في علم البلاغة، فيتضح أن لهم مشاركات جادة في هذا المجال على الرغم من قلتها، وقد تعددت أشكال التأليف عندهم في صور مختلفة، كتأليف، ووضع الحواشي والشروح على الكتب السابقة، وأختصاص قسم معين من أقسام البلاغة بالتصنيف، أو القيام بالكتابة في مواضيع أكثر تحديدا. ومن أشهر هؤلاء العلماء :

عبد الرؤوف المناوي (1545-1621):
وهو أحد العلماء الموسوعيون، الذين شاركوا في التأليف في الكثير من العلوم والمعارف والفنون، من تراجم وتصوف وحديث، وطب، وحيوان، ونبات، وتاريخ، حيث يقول عنه المحبي في خلاصة الأثر: "الإمام الكبير الحجة الثبت القدوة صاحب التصانيف السائرة، وأجل أهل عصره من غير ارتياب … وكان يقتصر يومه وليلته على وجبة واحدة من الطعام، وقد جمع من العلوم والمعارف على اختلاف أنواعها وتباين أقسامها، مالم يجتمع في أحد ممن عاصره ...". وقد وضع المناوي الكثير جدا من المصنفات الذي حُقق عدد منها، حيث نجد له في البلاغة كتاب "عماد البلاغة" وهو اختصار لكتاب المضاف والمنسوب
للثعالبي.

 "محمد الحتاتي المصري" (...-1641):
وهو "محمد بن أحمد بن محمد الحتاتي المصري"، ولي قضاء أسيوط والجيزة، حيث قال عنه المحبي: "الأديب الشاعر الكاتب المشهور، كان من أعيان الفضلاء وبلغاء الشعراء … له في الطب باع طويل، أخذ عن علماء مصر، ثم دخل الروم وأقام بها مدة طويلة ...". ترك عدة مؤلفات منها في علم البلاغة كتاب "حسن الصياغة في بيان مقامات علمي البلاغة"، ويقصد بها علمي المعاني والبيان.

 "شهاب الدين التلمساني" (1584-1631):
هو "أبو العبَاس شهابُ الدِين، أحمد بن محمَّد بن أحمد بن يحيى  المقَري التلمساني"، مؤرخ وأديب من علماء المغرب العربي، أرتحل إلى مصر عام 1618، ثم إلى الحجاز، وأقام بدمشق فترة، وتنقل بين القاهرة ودمشق مرات، إلى أن مات بالقاهرة ودُفن فيها. ولعل أشهر أعماله كتاب "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب" -في أربع مجلدات- لتاريخ الأندلس وعلمائها وأدبائها. وقد ساهم هذا العالِم بمؤلف في علم البلاغة أسماه: "قطف المهتصر في أخبار المختصر"، وهو مؤلف على شرح التفتازاني "للمختصر".

 "ياسين الحمصي" (...-1651):
وهو "ياسين بن زين الدين بن أبي بكر بن عليم الحمصي"، شيخ عصره في علوم العربية، حيث وصفه صاحب الفوايد "بالإمام البليغ شيخ العربية، وقدوة أرباب المعاني والبيان". ولد بحمص ونشأ واشتهر وتوفى بمصر. وضع حاشيتين في علم البلاغة، إحداهما على المطول، والأخرى على المختصر للتفتازاني.


 "إبراهيم الميموني" (1583-1669):
هو إبراهيم بن محمد بن عيسى المصري الشافعي، نستطيع الحديث عنه بنقل كلام المحبي في خلاصة الأثر حيث يقول: "الإمام العلّامة الفهامة المحقق المدقق، خاتمة الأساتذة المتبحرين، كان آية ظاهرة في علوم التفسير والعربية، أعجوبة باهرة في العلوم النقلية والعقلية، حافظًا متفننا متضلعًا من الفنون، … أبلغ ما كان مشهورا فيه علم المعاني والبيان حتى قل من يناظره فيهما ….".  ترك عدة مؤلفات منها في البلاغة وضع حاشية على المختصر للتفتازاني.

 مرعي الحنبلي (...-1624):
هو العلّامة مرعي بن يوسف بن أبي بكر المقدسي الأزهري المصري الحنبلي، أحد علماء الأزهر الشريف الأجلّاء على مر العصور، بلغت عدد مؤلفاته ما يزيد عن 70 مؤلف تنوعت علومها، حيث وُجد مؤلفات له في الفقه والتفسير والعقائد والحديث، والنحو والصرف، والبلاغة، والسيرة، والتراجم، والتاريخ، والسلوك، والفضائل، ووجد كذلك له ديوان شعر. وللشيخ مرعي مؤلف في علم البلاغة أختص بجانب واحد منه وهو "علم البديع"، حيث أسمى كتابه هذا "القول البديع في علم البديع".

 "عبد البر الفيومي" (...-1661):
هو عبد البر بن عبد القادر بن محمد العوفي الفيومي، عالم، قاضي، وأديب ولد في القاهرة وتعلم بها، ثم ارتحل إلى الحجاز والشام، ومكث في دمشق نحو سنتين، ثم ارتحل إلى بلاد الروم، وتولى مناصب بها، وتوفي معزولا في القسطنطينية. صنف هذا العالِم كذلك في "علم البديع" في البلاغة مصنف بعنوان "حسن الصنيع في علم البديع".

 "عبد القادر الفيومي" (...-1613):
هو عبد القادر بن محمد بن زين الفيومي، فرضي، قاضي، فقيه، عارف بالحساب والهيئة والميقات والموسيقى، ترك كتابًا خاصًا "بعلم البيان" تحت عنوان: "فرائد البلاغة" وهو منظومة شعرية بلاغية.




 "عبد الجواد بن شعيب القنائي" (...-1663):
هو عبد الجواد بن شعيب بن أحمد بن عباد بن شعيب القنائي، عالِم، وقاضي، وأديب، يقول عنه المحبي: "إذا حدث أعجب وأبدع وأغرب وكان كثير الحفظ للأشعار ونوادر الأخبار ذا نظر في العلم دقيق وزيادة حذق وتحقيق وتقوى ظاهرة ومظاهر باهرة".
ترك مؤلفات كثيرة، منها رسالة بديعة في فن الاستعارة عنوانها "القهوة المدارة في تقسيم الاستعارة" .

 "أحمد بن محمد مكي الحموي"(...-1687):
وهو أحمد بن محمد مكي أبو العباس شهاب الدين الحسيني الحموي، عالم من علماء الحنفية، ترك الكثير من المؤلفات من بين كتب ورسائل، نذكر منها كتاب رائع في "الاستعارة" ذيله في مجلد بعنوان "درر العبارات وغرر الإشارات في تحقيق معاني الاستعارات"، وهو محقق ومطبوع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق